عاقبة الطمع نوال الغنم
عاقبة الطمع نوال الغنم تتكون المجموعة القصصية الموسومة بـ«الجانب الآخر» للقاصة نوال الغنم من عشر قصص تتصادى وتتساوق، وتتماهى أحيانا، بالنظر إلى الموضوعات والقضايا التي قاربتها، تساوقا وتماهيا يجعلها كلها تبني المعنى وتنحشر في خانة النصوص القصصية التي تنهض على مفهوم الانعكاس ؛كما قال به جورج لوكاش،أي ما يجعلها منشدة إلى المعيش اليومي للناس، ناقلة همومهم وأحزانهم وآلامهم وآمالهم.
والقاصة نوال الغنم إذ تنقل المعيش اليومي لشخصيات قد تكون حقيقية تشاركها الفضاء التداولي الذي تتحرك فيه، وقد تكون مفترضة متخيلة لكن لا تشتط عن تلك الحقيقية، لا تنقله نقلا تقريريا فجا يخل بتقنيات وقوانين العمل الأدبي، بل تنقله وهي بصيرة بالمسافات المعتبرة بين القصة بوصفها جنسا أدبيا مخصوصا، وبين أجناس أخرى يناسبها النقل والعرض التقريريان.
ومن خلال فعل القص/الحكي اقتدرت القاصة أن تطرق موضوعات كثيرة تؤرق الذهنية الجمعية للمغاربة، عمدتها وتكأتها في ذلك لغتها البسيطة التي تنساب شاقة مجراها بهدوء وسلاسة كأنما هي جدول ماء لا يعري ولا يجرف، وإنما يتغيا الري والسقي المحصل للفائدة.
وحتى لا يحمل أحد «توصيف البسيطة» على محمل قادح، نقول: إن البساطة هنا لا تعني الإسفاف والابتذال، وإنما تظل لغة القاصة في بساطتها جزلة موحية دالة، مكثفة ورامزة في غير تعمية ولا إغماض تضطلع بتبليغ رسائل شتى بألفاظ وعبارات معتادة ومتداولة وواضحة لكنها منظومة بإتقان.
قصة عاقبة الطمع نوال الغنم
حصل المعطي على وظيفة بسيطة في إدارة بمبنى صغير، بصحبة زملاء بسطاء جدا. كان جذلا منشغلا فقط بصناعة الأمل ورسم الحياة... كان يعيش في حي المدينة العريقة التي يفوح منها عبق اإلنسان والزمن؛ هناك في هذا الحي، قلب الأصالة و ميراث الأجداد، حيث توثقت عالقة المودة بين المكان واإلنسان ... وبعد بضع سنوات تغير كل شيء. وحده المعطي ظل كما هو، جالسا في مكانه يرقب زملاءه، وهم ينتقلون من الغرف الضيقة الباردة الى غرف واسعة مكيفة، يتفرج على سياراتهم الأنيقة وعلى هواتفهم المحمولة البراقة. فكر المعطي، وألول مرة في حياته، قائال لنفسه: " لم ال أكون مثلهم؟ كيف أغير إيقاع حياتي؟" ظل يفكر ويحلم بدخول عوالم جديدة... بالرصيد البنكي، بالعمارات، بالزوجة الجميلة، بالثراء والمكانة الاجتماعية المرموقة: " البد لي أن أحصل أنا – الموظف البسيط – على هذه الأشياء" خطط فقرر أن يغير حياته. ظل يردد في قرارة نفسه : بئس الحياة الجمود. دلف الى مكتبه...
تقدم نحوه شيخ، حاول المعطي أن يسلك معه سبيلا مهينا. نجح في مسعاه دون أن يبذل جهدا كبيرا، فقد مد الشيخ يده إلى جيب جلبابه وأخرج كيسا حائل اللون. أخذ منه ورقة نقدية متآكلة وسلمها له بحرص شديد، شعر المعطي ببعض الخجل، فعجز عن النظر إلى محيا الشيخ، لكنه رأى جيدا يده المعروفة. كانت حول معصمه ساعة بلاستيكية تشير إلى العاشرة صباحا ودقائق معدودة. مرت الأيام والشهور، بدا بعدها يحس أحيانا وكأن يدا تمتد لتعتصر رقبته، ساءت الأمور. أحس أنه فقد شيئا ثمينا لا يباع ولا يشترى، فارقه النوم، سيطر عليه القلق والهواجس. ما أقسى الشعور بتأنيب الضمير! قصد المعلاجين والعرافين. نصحه واحد منهم أن ما أصابه إنما هو نتيجة مرض روحي ولابد لشفائه من نذر وصدقة وذبائح وقرابين وأشياء أخرى...ولابد لذلك من أموال كثيرة. أشفقت عليه زوجته من هذا العناء فنصحته : " لم لا تزور طبيبا نفسيا ؟" فرد عليها: " لست مجنونا يا امرأة التعيس، لعلك من فعل بي هذا...". غادر مكتبه ذات صباح وركب سيارته، وبمجرد إقفاله الباب، رأى اليد تطارده، رآها لأول مرة وقد امتدت إليه عبر زجاج السيارة لتطبق عليه. كانت يدا معروفة تحمل ساعة بالستيكية رخيصة تشير إلى العاشرة صباحا ودقائق معدودة...مات المعطي، ومن الطمع ما قتل.